Friday, 13 June 2025

كان جيت ولقيتها

 الأمهات السودانيات مشهورات بعبارة "لو جيت ولقيتها" لمن يفشلوا إنهم يوصفوا ليك مكان الحاجة البطالبوك تجيبها ليهم، وهي طبعًا تعبير عن القنع منك، مع إنك أقدر منها فيها. فهي غالبًا زولة كبيرة، حركتها صعبة، وعندها مية حاجة تانية، وانت شافع عبارة عن طاقة رايحة ساي، لكن ما بتسمع الكلام.

المفارقة دي جميلة في فكرة بذل المجهود في التعاون بين أي طرفين، لمن يكون في طرف عيونو أقوى من يدينو، والتاني يدينو أسرع من عيونو. الزول الشواف عليه مجهود إيضاح الأشياء، بحيث اليد السريعة تقدر تصل بدون تعب، والطرف التاني عليه عبء الاستماع ومحاولة الاستيضاح ما أمكن. النوع دا من العلاقات يبدو إنو بتحصل فيهو مشاكل كتيرة من الطرفين، بتتمظهر بعبارات زي الفوق دي، لكن أنواع المشاكل كتيرة.

واحدة منهم عدم الصراحة. خلينا نسمي الطرفين هنا الشافع والأم. مثلًا، الشافع ممكن يكون شايف أمه دي بتخرف ساي، وهي ما عارفة محل عدّتها وين. وطبعًا في أمهات فعلاً غالبًا عاملات كدا، وبتقول ليهو بس نقطة بداية على أساس هو يفتش براهو بعد داك. المشكلة جاية من إنو الشافع ما اتعلم ينتقد أمه بصراحة، لأنو "كدا عيب"، فحيقعد يعبّر عن انتقاده دا بأسلوب تاني.

عموماً الإنسان غالبًا لو ما قدر يقول كلامه عديل، اللاوعي بتاعه بتصرف من أبسط شي، زي إنو يقعد يمد بوزه اليوم كله، لحدي ما يمشي يعمل الحاجة ويخربها. أحيانًا ممكن يتصرف بصورة واعية لو كان ذكي كفاية، مثلًا ممكن يقعد يقول ليها: أصلًا الصحن هو ما أبيض، أو انتِ قصدك تلاتة صحون ليه قلتِ اتنين؟ أو الصحن قاعد عديل ولا بالقلبة؟ المهم أي كلام فارغ ينفع يشغل المكان بتاع "أمي انتِ بتخرفي ساي" هههه.

الخواجات عندهم أحناك كدا اسمها التربية الإيجابية وبتاع، أنا ما فاهمها كويس، لكن طريقة حواراتهم مع شفعهم واضحة إنها مختلفة، وفيها مساحات حوار بخلوا الشافع يعبر عن نفسه وما يضطر يلف ويدور.

مثال للمشاكل في جانب الأم، إنها مرات ما بتحوّل نظرتها إلى لغة مقبولة للشافع، حتى لمن يكون ود فالح وبسمع الكلام هههه. أنا طبعًا هنا مفترض إنو الأم عارفة الصحن قاعد وين، ومشكلتها بس هي عملية التحرك دي. فالطفل، حتى لو بسمع بكامل حواسه، ما بكون وصل لحتة يفهم يسأل عن شنو ذاتو.

المشكلة دي بتكبر في الأمثلة المعقدة، لأنو غالبًا بكون في مجهود مشترك مفروض يتعمل. الأم بتكون عارفة إنو الصحن دا قاعد في مكان ما في المطبخ، وتحديد المكان بالضبط بحتاج الزول يمشي هناك ويتخذ إجراءات معينة. غالبًا الإجراءات دي حتاخد منها مجهود كبير جدًا، وعندها مهام تانية مهمة للأسرة ككل، ما في زول غيرها بيقدر يعملها، فالمفترض الشافع يمشي ويعمل الجزء الأخير.

هنا الشافع ممكن، بدافع الكسل، يقعد يطيل الحوار أو يحاول يقنع أمه (من القنع ما الإقناع) عشان يوصلها لمرحلة "لو جيت ولقيتها"، وبالتالي يقدر يواصل لعبته ويا دار ما دخلك شر. الأمر دا طبعًا حينتهي بالأم إنها تعمل أي شي براها، بجودة غالبًا أقل من التعاون، لأنو المجهود البتحتاجه لتزبيط الملاح ح تقعد تقضيه حوامة تجيب بيها الصحون.

لدرجة كبيرة نحن بندلع الشفع، ما بنخليهم يتعلموا بذل النوع دا من المجهود، اللهو حركة يلقى أي شي جاهز، وبنفتكر إنو دا لمصلحتهم، لكن البحصل إنهم بس ح يبقوا أقل اعتمادية على نفسهم، وحيفقدوا مهارات حياتية في جوانب ما ممكن تخطر على بالنا أصلًا.

نفس النمط البسيط دا ح ينتقل لمستويات أعقد، نفس الطفل المنتظر أمه تقنع وتقوم بالمهمة، ح يمشي ينتظر زول تاني يقوم ليهو بمهمة مؤثرة على حياته بصورة أكبر، وداك ما عنده نفس العطف والحنان، لأنو ما هو الجابه للحياة. فحيقول ليهو: "ح أقوم وألقاه، لكن انت امشي شوف ليك قبلة صلي عليها".

فأحيانًا، ربما يجب عليكم القسوة عليهم قليلًا حتى لا تقسو عليهم الحياة. أو سوف تندمون حيث لا ينفع الندم.

No comments:

Post a Comment