يوم حزين على البشرية. توفى إلى رحمة مولاه اليوم الموسيقار زياد الرحباني بعد ٦٩ سنة حافلة بالعطاء اللا محدود.
Saturday, 26 July 2025
زياد الرحباني
Wednesday, 25 June 2025
الأستاذة عشة الجبل
واحدة من الحاجات الشدتني قبل فترة طريقة تفاعل الناس مع ركوب عشة الجبل للباترول، واعتراض الكثيرين وحكاياتهم السمجة انهم ضيعوا وقتهم في القراية في حين انو الزول ممكن يركب باترول بسهولة لو فات وعمل ليو اورقن وحام بيهو، طبعا نسوا يقولوا "وكان اسمه عشة الجبل" هههه.
فمشيت يوتيوب اتعرف على الإنسانة دي، لاقتني كمية من الفيديوهات مشاهداتها بالملايين. وهو رقم كبير على مستوى الفنانين السودانيين، بلقاه شائع في الفنانين العرب وهو دون المستوى عند الفنانين الغربيين. المهم واضح انو الزولة دي الناس بحبوها مبدئيا كدا قبل أي شي. والفنان الناس بحبوه لو كان بعبر عنهم، فبالتالي اي زول ما قادر يفهم الحاصل يا إما يمشي يفتش السبب، او هو ببساطة بس ما معترف بالطبقة البتحب عشة دي. ولمن اقول الطبقة ما بقصد بالضرورة بعد واحد، بعد مركب جزء منه جهوي وجزء طبقي وجزء قبلي. لكن واضح انو في نمط لمحبي عشة الجبل او محبي الزنق عموما، والإعتراض عليها هو في حقيقته انو كيف أصلا إنسان ينتمي لهذه الفئة يتحصل على أموال كافية لشراء عربة لا أستطيع انا (ومن ثم يدخل وظيفته اللهو فيها دون المتوسط غالباً) بجلالة قدري شراء زجاج أبوابها ههههه.
طبعا يا لسخرية القدر، الموسيقى بالتعريف هي من أصعب المهن على الإطلاق عكس الكثير من المهن اللي مهما كان مستواك فيها تعبان بتقدر تعيش عليها. والزول البعبر فيها مش بس محتاج يكون متميز،التميز في الموسيقى شرط ضروري لكنه غير كافي، الموسيقي العابر في السوق مفروض ما يكون عنده أي غلط كبير أو واضح، وبغلط قصدي العوامل المصاحبة نفسها مش أداءه بس، لأنه سوق الموسيقي بالتعريف هو التنافس على أسماع البشر والذين لا يتعدى عددهم ال ٨ مليار نسمة أغلبهم ما متاح ليهم الوقت ولا راحة الذهن المطلوبة للاستمتاع بالفنون أصلا للأسف الشديد. فلمن زول يقدر يجذب إهتمام عدد كبير زي دا زي الأستاذة عشة الجبل فبتستحق كل الإحترام والتقدير. نعم الأستاذة عشة الجبل بكل ما تحمل الكلمة من معنى. هي أستاذه تهذب وجدان الكثير من المنسيين الذي لم يهتم بهم أحد ولم يسمع أحلامهم، آمالهم ولا طموحاتهم. قامت عشة هبشت فيهم وتر ما فردوا عليها التحية بالبسيط الذي تجمع وتجمع فانتج الباترول. بعدين ياخي اتخيل العظمة، يعني في أجمل من انو عربيتك الراكبة تكون شير من ملايين الناس كل زول فيهم دفع ميلغ بسيط بعبر فيهو عن شكره ليك لكلماتك الجميلة المغناة. مافي سيارة أجمل من كدا والله أكاد أجزم.
Monday, 23 June 2025
رسالة الأمل المشروط بعذابات المستقبل
هي أيام صعبة، مؤلمة، محطمة، يتساقط فيها الجميع، لا يقوى أغلبنا على المقاومة والتماسك، نحتاج قدر من العزيمة لا تقوى عليه الجبال. والمؤلم أننا لا ندري ان كانت آلامنا هذه كآلام المخاض قبل الحدث السعيد، أم هي آلام الإحتضار قبل الموت الأبدي.
أنا لا ادري ماذا سيحدث، ولا أصدق من يقول أنه يدري، ولن اكذب واقول عيش اللحظة فلست قادرا على ذلك حتى، ولكن فقط اقول حاولوا، سددوا وقاربوا، ستفشلون بكل تأكيد في البداية، ثم تفشل وتفشل وتفشل، ستفشل حتى يكرهك الفشل ويمل من إصرارك وعنادك، سيريك الفشل جميع تمظهراته، سيأتيك من كل الجوانب من حيث تدري لا تدري. بعدها ربما يفتح الله عليك إذا كنت لا زلت هنا على هذا الجانب من الحياة. هناك خيارا آخرا أن يحدث الفتح على اكتافك، لكن بعد مغادرتك لهذا المكان فلا ترى غرس زرعك بأعينك.
أمثال هذه الأيام هي ما يظهر معدن الناس على حقيقتهم عرايا بلا ثياب، حيث لا مجال للهروب ولا للتظاهر باللامبالاة، ربما هي فعلاً أوقات الإختبارات التي لا مجال فيها للحياد، والحياد هنا بمعنى الإنكفاء على الذات واللا مقاومة. لا خيارات لدينا، لا سبيل، يمكننا ان نعمل وهناك احتمالية للمكسب، ويمكننا الجنوح للنوم والأكل (ان كان متوفرا) والشرب كما تفعل الأنعام مع ضمان الهزيمة.
لا مكان للأنانية الظاهرة منها والمتخفية، هي سفينة واحدة في بحر متلاطم، إما أن ننجو معا أو نهزم معا. لا خيارات على الإطلاق، لا مكان للمغانم الشخصية ولا للعب الأطفال. هذا هو قدرنا على أي حال، إما أن نتحمل ونتجلد ونقاوم، وإما أن يذهب بنا الطوفان.
لا مكان للنقاشات اللغوية الما بتودي ولا بتجيب، دي نعملها في برشلونة وريال مدريد، لكن حياتنا على المحك، إما أن نتحدث من القلب للقلب أو لا نتحدث، إما ان نحترم حدود بعضنا البعض، أو لا نتعامل على الإطلاق، ربما تكون هذه لحظاتنا الأخيرة على هذا الكوكب، ربما يكون هذا أفضل ما فعلناه لا ادري.
هناك جزءا مني لا زال متمسكا بالأمل، نعم هو أمل مهزوز غير مكتمل اعترف، ولكنه كافي على الأقل للاستيقاظ كل صباح، ومحاولة القيام بخطوة صغيرة قد تحافظ على هذه الشعلة المسماة بالروح أو تكسبها بعض الوقت. روح الأمل، والأمل يتضاعف بالحب والتكاتف والتفهم، بدون هذا لا فائدة، لا أريد أن ينتهي بنا الوضع ان نردد خلف مصطفى أغاني الكآبة بينما نذهب في سراب الذكريات.
لا بأس من البكاء والعويل على فترات متقطعة ومن ثم إلتقاط الأنفاس سريعاً للمواصلة، لكن ربما لا وقت حتى لذلك. كنت أتمنى لو كان بمقداري كتابة رسالة سعيدة وانا اعتدت ان اعيش على الأمل، على التفاؤل، على المستقبل.
لم انظر يوما للواقع على أنه وضع حالي جميل لا بأس به، دوما افكر فيما يمكن فعله وكيف يمكننا تحسين حيواتنا. هناك استثناءات قليلة تحدث من حين لآخر تعيش فيها بالحاضر كما يجب أن يكون، عندما اكون في الطبيعة الفسيحة بين الأشجار، الأشجار تهب عليك نسائمها بلا رغبة ولا طلب، فقط تمنحك الحب والظل ولا تأبه بك ان جلست أم ذهبت. هناك أرواح قيض الله لها نفس هذه القدرة والرؤية، اعتبر نفسي من المحظوظين أن حباني الله بالكثير منهم. ربما بعضهم يقرأ كلماتي هذه الآن، أنا أحبكم كما تحب الأشجار بذورها وأصولها، حبا متجاوزا للرغبة والحاجة، فقط ارغب برؤيتكم سعداء واتمنى لو كنت قادرا على بيع الأمل اليقيني، ولكن على كل حال الأمل المهزوز بعواصف الشكوك هو أفضل من اليأس بلا شك. فاليأس موت مبكر.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
Tuesday, 17 June 2025
الموقف من الإمام
الموقف من الامام من المؤشرات الممكن تقيس بيها وعي المثقفين لانو جامع كمية من المتناقضات الصعب تتلم في زول واحد:
انو عنده ارث جاهز كبير شديد، ودي بتسهل عليه استغلال الارث دا بدون اي مجهود منه، وهي حاجة فعلاً عملوها آل المهدي الحايمين ساي بدون ذكر أسماء يعني، فدي بتسهل اي زول داير ينتقد بسهولة انو بس يقول ليك الصادق دا عشان ود المهدي، زي قلة الأدب البعملوها لعبدالله جعفر لانو أول السودان. وطبعا الناس دايرين الصادق يجي ينكر ليهم ابوه ولا كيف ما تعرف، التواضع الما عنده معنى داك. يعني ح يتبسطوا لمن عبدالله يجي ينتقد ليهم امتحان الشهادة عشان يحوموا بعد داك ويقولوا ياخي دا اول الشهادة ما معترف بيها ما تقدونا بالموضوع دا، وحقيقة انا مبسوط انو عبدالله اصلو ما حقق ليهم الهدف دا، اول كدا في راس اي زول هههههه.
النقطة التانية انو الصادق مقطع شغل المثقفين دا، وممكن يقعد يتكلم خمسة أيام متواصلة عن أي موضوع لحدي ما غلبهم ينبزوه بشنو قالوا عليه أبوكلام هههه. طبعا الزول الفهمه حبة ما بعرف يتكلم وبقعد يكرر ليهو تلاتة عبارات في اي محفل وخلاص ولا يكرر بعض النكات البايخة ولا يمشي يكتب ليهو خطاب مليان عربي وكلمات غريبة وشاعرية فارغة من المعنى. على فكرة مافي مشكلة يكون فهمك حبة يعني لكن المشكلة يكون فهمك حبة وحايم في المنابر بتعمل فيها بتقدم في شي وتكون انت شاغل مساحة مفروض يملوها الناس البشتغلوا بالجد. الواحد داير يبقى صانع محتوى بدون محتوى. يعني يجوا لحتة
برضو الصادق دا ما بقدروا يفتروا عليه بحركات الانجليزي والمصطلحات الرنانة البدخلوها ساي بدون مناسبة ديك. دايرين فلسفة ارح، دايرين هندسة قدام، دايرين شغل واجتهاد ديك كتبي وداك شغلي والحشاش يملا شبكته. ياخي الكتب الكاتبها الإمام دي والله اجزم انها اكتر من الكتب القروها نص الناس الحايمين ينبزوا فيهو ديل ههههه. يعني حيرة عجيبة اللانقا بهن يقطعها ليهم، يجوا بجاي مع الناس الشايفنهم اهالي وغوغاء ساي يلقوه متزعمهم، ومش الزعامة بتاعة السواقة الهم عايزنها زول جاي يفهم الناس عديل بالدرب. بتذكر وانا طالب ايام المدرسة ساقني اخوي ندوة في الابيض، كان كل ما يعتلي المنصة الانصار يقعدوا يعملوا حركاتهم بتاعة التقديس ديك فبسكت حبة ويواصل، بعدين فاض بيهو فقال لينا فيما معناه "أنا جئت لانقل لكم فكرا ورأيا فبالله عطلوا افواهكم وايديكم، وادوني رسينكم واضنينكم الكبار ديل هههه" الكبار ديل من عندي طبعا.
انا حضرت ليهو حلقات شاهد على العصر ياخي الراجل دا بقعد المفاهيم كما يجب ان تكون. كلام بتاع انسان حامل شعلة وعي ومهتم بمن يتزعمه مش مجرد واحد عنده ايقو وداير يطلع فوق على رؤوس الناس ساي. زول احلامه قدر العالم واكبر. انا قريت ليهو كتاب واحد بس (نهر النيل، الوعد والوعيد) وشفته كيف قادر يركب النظارات المختلفة بمهارة فائقة، مرة يبقى فليسوف يتكلم ليك عن الماء كمفهوم وعلاقته بالحياة وعن فكرة التنبوء بالمستقبل وغيرها، بعد داك يقلب سياسي ويتكلم ليك عن اقتراح حلول التنسيق بين الشركاء وكيف ممكن يستفيدوا من بعض وكيف ممكن يعملوا مشاريع بتضيف للجميع ويبهرك بدراسة العوامل الما ممكن تخطر ببالك زاتو، كانت بتجيني لحظات كدا بقول اسي دي فكر فيها كيف زاتو، بعدين يجي ينزل للجانب القانوني ويتكلم ليك عن التشريعات وتاريخها واثرها وكمان توقعه لما سيحدث (واللهو بعض منه حصل لانو الكتاب اسي الريدي بقى تاريخ).
المبهر بالنسبة لي كمان لمن نزل تحت للهندسة، دا شنو يا سيادة الإمام ما تخش لينا في شغلنا كمان ههههه. اتكلم عن مشاريع حصاد المياه والمحاصيل البتتزرع وكيف ممكن نعمل optimization للعمليات بحيث نوفر موية بدون ما نتضرر، شنو الممكن تعمله مصر وشنو الممكن يعمله السودان وشنو الممكن يعملوه الاتنين سوا وهكذا، يعني شغل بتاع هيئة أبحاث عديل. الصادق واضح جدا انو انسان مؤمن تماما بفكرة واحد زايد واحد اكتر من اتنين، انو التعاون دائما احسن من التنافس واننا لدرجة كبيرة بنتوهم انو معاركنا صفرية مع انها ما كدا في حقيقة الأمر ونحن ناس طموحاتنا حبة بس. على قول مصطفى سيد أحمد الناس بتتعامل زي الزول في سوق الخدار اي واحد بس شايف التانيين عايزين يشيلوا كومه، غباء يحير زاتو.
طبعا في الجزء بتاع الغيرة والروح الشريرة، لانو الصادق دا عامل زي البت السمحة وشاطرة ومهذبة ومحظوظة ومجتهدة، ما عندهم اي طريقة ينتقدوها فبقعدوا يقولوا ليك كلام فارغ كدا عشان يقللوا منها، يقولوا ليك نانسي عجاج ما تعرف صوتها بضرسني ههههه. فمع الصادق تلقاهم حايمين بوخة مرقة وما تعرف شنو، يلفحوا ليك عبارتين عميقات قالهم في موقف عابر يا اما ما استشفوا عمقهم يا اما بسوء الغرض ساقوهم وحاموا بيهم. طبعا انا ما قاعد اقدسه يعني ولا بقول انو اي كلام يطلع من لسانه جاي من حكمة بطبيعة الحال، لكن في امثلة كتيرة للحاجات الكانت بتطلع عاملة كدا، الكلام بكون واضح وسياقه واضح لكن بس الله غالب الما بتلحقه جدعه.
الحركات الزي دي ياها بتضيع علينا السماع لحكمة الحكماء البجونا كل فترة، وديل ناس ما بتكرروا وهو من فضل الله علينا انهم موجودين بيننا، فبدل ما الناس تقل ادبها مفروض تقدر العندها وتستفيد منه. اسي الصادق اتوفى ربنا يرحمه ويرفعه في اعلى الجنان، لكن ديك ياها كتبه ومقالاته حايمة الناس تمشي تبحت وتتدارس وتستفيد.
Friday, 13 June 2025
كان جيت ولقيتها
الأمهات السودانيات مشهورات بعبارة "لو جيت ولقيتها" لمن يفشلوا إنهم يوصفوا ليك مكان الحاجة البطالبوك تجيبها ليهم، وهي طبعًا تعبير عن القنع منك، مع إنك أقدر منها فيها. فهي غالبًا زولة كبيرة، حركتها صعبة، وعندها مية حاجة تانية، وانت شافع عبارة عن طاقة رايحة ساي، لكن ما بتسمع الكلام.
المفارقة دي جميلة في فكرة بذل المجهود في التعاون بين أي طرفين، لمن يكون في طرف عيونو أقوى من يدينو، والتاني يدينو أسرع من عيونو. الزول الشواف عليه مجهود إيضاح الأشياء، بحيث اليد السريعة تقدر تصل بدون تعب، والطرف التاني عليه عبء الاستماع ومحاولة الاستيضاح ما أمكن. النوع دا من العلاقات يبدو إنو بتحصل فيهو مشاكل كتيرة من الطرفين، بتتمظهر بعبارات زي الفوق دي، لكن أنواع المشاكل كتيرة.
واحدة منهم عدم الصراحة. خلينا نسمي الطرفين هنا الشافع والأم. مثلًا، الشافع ممكن يكون شايف أمه دي بتخرف ساي، وهي ما عارفة محل عدّتها وين. وطبعًا في أمهات فعلاً غالبًا عاملات كدا، وبتقول ليهو بس نقطة بداية على أساس هو يفتش براهو بعد داك. المشكلة جاية من إنو الشافع ما اتعلم ينتقد أمه بصراحة، لأنو "كدا عيب"، فحيقعد يعبّر عن انتقاده دا بأسلوب تاني.
عموماً الإنسان غالبًا لو ما قدر يقول كلامه عديل، اللاوعي بتاعه بتصرف من أبسط شي، زي إنو يقعد يمد بوزه اليوم كله، لحدي ما يمشي يعمل الحاجة ويخربها. أحيانًا ممكن يتصرف بصورة واعية لو كان ذكي كفاية، مثلًا ممكن يقعد يقول ليها: أصلًا الصحن هو ما أبيض، أو انتِ قصدك تلاتة صحون ليه قلتِ اتنين؟ أو الصحن قاعد عديل ولا بالقلبة؟ المهم أي كلام فارغ ينفع يشغل المكان بتاع "أمي انتِ بتخرفي ساي" هههه.
الخواجات عندهم أحناك كدا اسمها التربية الإيجابية وبتاع، أنا ما فاهمها كويس، لكن طريقة حواراتهم مع شفعهم واضحة إنها مختلفة، وفيها مساحات حوار بخلوا الشافع يعبر عن نفسه وما يضطر يلف ويدور.
مثال للمشاكل في جانب الأم، إنها مرات ما بتحوّل نظرتها إلى لغة مقبولة للشافع، حتى لمن يكون ود فالح وبسمع الكلام هههه. أنا طبعًا هنا مفترض إنو الأم عارفة الصحن قاعد وين، ومشكلتها بس هي عملية التحرك دي. فالطفل، حتى لو بسمع بكامل حواسه، ما بكون وصل لحتة يفهم يسأل عن شنو ذاتو.
المشكلة دي بتكبر في الأمثلة المعقدة، لأنو غالبًا بكون في مجهود مشترك مفروض يتعمل. الأم بتكون عارفة إنو الصحن دا قاعد في مكان ما في المطبخ، وتحديد المكان بالضبط بحتاج الزول يمشي هناك ويتخذ إجراءات معينة. غالبًا الإجراءات دي حتاخد منها مجهود كبير جدًا، وعندها مهام تانية مهمة للأسرة ككل، ما في زول غيرها بيقدر يعملها، فالمفترض الشافع يمشي ويعمل الجزء الأخير.
هنا الشافع ممكن، بدافع الكسل، يقعد يطيل الحوار أو يحاول يقنع أمه (من القنع ما الإقناع) عشان يوصلها لمرحلة "لو جيت ولقيتها"، وبالتالي يقدر يواصل لعبته ويا دار ما دخلك شر. الأمر دا طبعًا حينتهي بالأم إنها تعمل أي شي براها، بجودة غالبًا أقل من التعاون، لأنو المجهود البتحتاجه لتزبيط الملاح ح تقعد تقضيه حوامة تجيب بيها الصحون.
لدرجة كبيرة نحن بندلع الشفع، ما بنخليهم يتعلموا بذل النوع دا من المجهود، اللهو حركة يلقى أي شي جاهز، وبنفتكر إنو دا لمصلحتهم، لكن البحصل إنهم بس ح يبقوا أقل اعتمادية على نفسهم، وحيفقدوا مهارات حياتية في جوانب ما ممكن تخطر على بالنا أصلًا.
نفس النمط البسيط دا ح ينتقل لمستويات أعقد، نفس الطفل المنتظر أمه تقنع وتقوم بالمهمة، ح يمشي ينتظر زول تاني يقوم ليهو بمهمة مؤثرة على حياته بصورة أكبر، وداك ما عنده نفس العطف والحنان، لأنو ما هو الجابه للحياة. فحيقول ليهو: "ح أقوم وألقاه، لكن انت امشي شوف ليك قبلة صلي عليها".
فأحيانًا، ربما يجب عليكم القسوة عليهم قليلًا حتى لا تقسو عليهم الحياة. أو سوف تندمون حيث لا ينفع الندم.
Wednesday, 4 June 2025
عن الهادي الجبل
Tuesday, 13 May 2025
رسالة إلى من يهمه الأمر
كنت أظن، وما زلت أن لدي قدرة أعلى من المتوسط في الإحساس بآلام الآخرين وتفهمها بصورة عميقة، ولكن ما غاب عني هو أن هذا التفهم هو درجة أقل، وربما بكثير مما لو كانت آلامي أنا أو آلام أحبابي المقربين، ربما تخيلت أنني إستثناءً من هذا المقياس الذي يجعلك تئن عندما تجرح يدك، ويئن قلبك عندما تجرح يد عشيقتك. يبدو لي الآن أن الأمر أشبه بمسطرة تتفاوت طولا وقصرا باختلاف رهافة الحس للشخص المعين، لكن التفاوت عبر نفس المسطرة هو هو للجميع. قد تتعذب بآلام الآخرين كثيرا ولكن قطعا ستتعذب بآلامك أكثر. يتقطع قلبي وأنا ارى أسرتي تترك كل ما بنته طوبة طوبة - تاريخ رأيته بأم عيني وحضرت الكثير من تفاصيله وإن كانت بصورة متقطعة أحيانا، مع المعرفة بتفاصيل تجعلك قادرا على اكمال القصة حتى لو لم تعشها معهم يوما بيوم، يتقطع قلبي وأنا أرى كل ذلك ينهار في لحظة زمن بلا حتى مساحة للتفكر.
Tuesday, 22 April 2025
عن مصطفى والآلام
مصطفى سيد أحمد يمثل قاع التألم السوداني بالنسبة لي وأصدق من عبر عنه.
يتراوح الألم بمقادير مختلفة عبر الأغاني المختلفة
منها الألم السوداني العادي الطبيعي المحتمل الذي يبدو أن الكل عاشه ممثلا بالحزن النبيل ..
الكل عاشه هذه معلومة يمكن استنتاجها بمقدار من يستمتع بالاغنية بصورة واضح انها تمسه بصورة ما
وأيضا بكمية من كرر الأغنية من بعد مصطفى .. طبعا التكرار تحكمه عوامل كثيرة كالسهولة التقنية للأغنية ولكن أنا أرى أن الحزن النبيل ليست من الأغاني السهلة على أي حال .. ومع ذلك اذا بحثت في اليوتيوب فتجد منها العديد من النسخ وأن الكثير من فناني الصف الأول قاموا بتجربتها
المرحلة الثانية من الألم تتلخص في سافر
وهنا لم اجد غير لينا قاسم هي من قامت بمحاولتها وحتى لينا لا يبدو أنها عاشت ألما يقترب مما عاناه مصطفانا
فقد أدت الأغنية بلا أخطاء وبطريقة ناعمة وسلسة وجميلة ولكن لم تستطع صب ذلك الجم الضخم من المشاعر يوازي ما قام به صاحبها وهي مقارنة ظالمة على أي حال - ولكنه وصف لا ينتقص من لينا شيئا فهي قدمت الأغنية لجمهور جديد ربما ليس له القدرة على الإستماع للمصدر مباشرة
اذا قمنا بتعريف مقياس للمشاعر وافترضنا انه دائما يمثل جزئا من الأصل (مع استثناءات بسيطة يتعدى فيها الفنان صاحبها الأصلي وهذه لم أراها إلا في محمود وفي أغاني محدودة جدا) فأنا أرى أن الحزن النبيل مثلا حظيت بتغطية مشاعرية جيدة تحديدا من الصوت الطروب نادر خضر عليه الرحمة ولكنها نسخة شبيهة بالأصل لدرجة بعيدة بدون اضافات أو أبعاد جديدة سوى خامة صوت نادر لمن يعشقها
المثال المختلف هو مازن حامد وهو في رأيي فعل بالحزن النبيل ما فعلته لينا بسافر حيث قلل مقدار المشاعر إلى حد بعيد مع الحفاظ على الكمال فيما حاوله. بمعنى أن ما فعله مازن هو يطابق ما أراده مازن ولكن ما أراده مازن هو نصف ما فعله مصطفى وهو أمر يشبه الشخصيات الكمالية عموما- الشخصيات التي لا تحاول ما هو أكبر منها أمام الجمهور فيكون انتاجها دوما كاملا ومقدسا هو أمر يبدو أنه يتوافق مع الذوق السوداني إلى حد بعيد فنحن لدينا آذان مدربة على سماع أغاني جميلة ومعقدة لكنها محدودة
لكن مازن قام ببعد ثاني مختلف وهو ادخال الجيتار الاكوستك بطريقة غير اعتيادية .. الكثير من السودانيين يعتقد أن الجيتار- أعقد آلة وترية في عصرنا هذا - صنعت للإيقاع ولا يمكن استعمالها إلا كدلوكة ولكن أمثال مازن هم من يصنعون تغييرا في هذه الإتجاه وأي جيتارست سوداني لابد أنه سيدين بالفضل لمازن. ربما لهذا لم يحاول الذهاب بعيدا بالاغنية بطريقة قد تجعلها أكثر نخبوية لسببين: زيادة كم المعلومات و زيادة معدل الأخطاء - ليس لدينا الوقت والراحة النفسية لمعالجة الكثير من المعلومات كما يفعل مصطفى وليست كل الآذان قادرة على استبعاد الاخطاء ومواصلة الاستمتاع.
هذا الأمر خلق ذائقة فنية غريبة - تجعل تعريف الأغاني ضيق إلى حد بعيد. نحتاج المزيد من الفنانين كسيد خليفة ومحمد الأمين الذين يقومون بالمخاطرة والترديد واللعب بالمقاطع بصور مختلفة تجعل الذوق الموسيقي قادرا على الانتاج اكثر من الاستمتاع بالأشياء الكاملة المزبوطة
لفهم الفكرة يمكنك البحث عن تسجيلات زاد الشجون أو بتتعلم من الأيام لترى التشكيلات المختلفة التي يفعلها محمد الأمين بأدواته الثلاثة: الفرقة الموسيقية - العود وصوته الطروب وهو أمر نجح فيها الأستاذ لحد بعيد حيث استطاع الجمع من الكمال الذي تحتاجه الأذن السودانية مع فتح براحات للتجريب فيما سماها هو الاغاني الكبيرة وهي تسمية لطيفة جدا لأن كل الأغاني كبيرة ولكن ما يقصده محمد الأمين هي الأغاني ذات الألحان المبسطة والبطيئة القابلة للتشكيل بصورة تجعل من لم تتعود أذنه على التشكيلات الموسيقية المختلفة يستطيع فهمها بسهولة والانغماس في الجو.
لكن أغلب أغاني محمد الأمين قابلة للتشكيل لكنه يحتاج موسيقيين قادرين تقنيا بصورة لا يبدو أنها متوفرة أصلا في محيطنا ولا تراها إلا في نجوم الروك الكبار - مثلا أغنية كهمس الشوق من السهولة بمكان أن تتخيل تشكيلات مختلفة لكن من يجرؤ على تطبيقها بهذه السرعة العالية؟ حتى الجزء الأخير في سولو الجيتار نجد أن الأستاذ يلقنه تلقينا لصاحب الجيتار. وهذا ليس انتقاصا منه بالمناسبة بقدر ما هو وصف لما هو متوفر في السوق الموسيقي - فصاحب الجيتار هو من أفضل عازفي الجيتار السودانيين برأيي ولكنه بطبيعة الحال لا يملك من البراح التأليفي والتشكيلي الذي يملكه الأستاذ - والذي يبدو بسبب بعد المسافة بينه وبين أقرانه لا يحتمل اعطائهم المساحة لينموا هذه المواهب. الأمر يشبه في السياسة الصادق وحزب الأمة - فالصادق بالرغم من ديمقراطيته لكن لا أحد في محيطه استطاع الاقتراب من امكاناته بصورة تجعله منافسا حقيقيا لزعامة الحزب - ولا قام الصادق بالتنازل عن المنصب طواعية ليأتي شخص ما ويقوم بالتعلم على روؤس الناس فمات الصادق ومات الحزب.
الاستثناء في حالة الأستاذ هو عازف الكمان لؤي عبد العزيز والذي يبدو أنه أكثر من شرب من منبع الموسيقى الكبير على يد شيخه - ولكنه أيضا لا يتحرك بنفس الحرية. عندما يعزف السولو ترى بوضوح أنه يعزف اللحن بشخصية الكمان كما يجب أن تكون وأنه يتحرك في المساحات الصغيرة بصورة جيدة ولكنه لا يجرؤ على طرق الأبواب الكبرى. لا أدري هل هو موضوع خوف أم قدرات ولكني أراه الآن لديه الفرصة للانطلاق أو على الأقل لايصال الرسالة للجيل الجديد حتى نرى ٥٠ نسخة من همس الشوق كلها مختلفة عن بعضها البعض حتى يجد كل منا ضالته أو يصنعها بنفسه.
المهم نرجع لموضوعنا
الأغنية الأخيرة التي أراها تمثل قمة الألم ويبدو أنه لا أحد يقوى على إحتمالها هي اسئلة ليست للاجابة
لا استطيع وصفها مهما حاولت ... على قول المثل المصري ضرب ضرب ما فيش شتيمة
حتى اللزمات الفنية الضرورية لكسر الطعم (لا أحد يقوى على ألم مستمر بلا معنى بطبيعة الحال - هذا نوع ساهل من الملل يستطيع أي فنان فعله) تجدها قصيرة جدا فقط بما يكفيه لالتقاط انفاسه لمواصلة صب آلامه العميقة
بحثت كثيرا عن شخص حاول الاغنية بطريقة أخرى فلم أجد غير الشاب اليافع امجد ابوقصيصة والذي يبدو أنه له مستقبلا فنيا باهرا كفنان جاد يقدر صنعته قدرها
Sunday, 23 March 2025
رجال كبار شايلين فنايل كت
الكبر حسنات كما يقول أهلنا لكن مشكلتنا مرات كتيرة بنختصر ألف جانب في الرقم واللي مع تعقيدات حياتنا الحالية يكاد يفقد قيمته ومعناه. في زمن ما كانت الحياة بسيطة ورخية ومحدودة المجالات فالانسان لما يصل الاربعينات يكاد يكون مر بكل أنواع التجارب البتحول الطفل لرجل.
خلينا ناخد مثال بسيط:
الأطفال بيبكوا لما ما يتحصلوا على الحاجة والناس الكبار بيدرسوا الأسباب شنو ويعيدوا الكرة مع احداث بعض التغييرات لاحقا
خلينا نقول انو الانسان عشان يصل للمهارة دي محتاج انو يحاول حاجات كتيرة ويفشل ويرجع ويعود
اها طبيعة حياتنا البتقدس التخصص خلت من السهولة الزول يقدر يمسك حاجة واحدة ويزبطها شديد وبالتالي يقدر يعيش باقي حياته عادي بدون مشكلات كبيرة. لانك ما محتاج تزرع وتطبخ وتداوي جروحك. لو بس بتعرف تحسب الارباح والخسائر ممكن تشتغل مهنة اسمها محاسب وتكون ما عارف انو الشوربة بعملوا ليها بهارات هههه
المشكلة اننا لسة متخذين القاعدة الفوق .. انو المحاسب البسيط وطفل في باقي مجالات الحياة دا لمن يصل الأربعين فجأة ح تحل عليه الحكمة الربانية من السماء ونبدا نديهو نفس الصلاحيات الكانوا بياخدوها حكماء زمان فيبدو يظهروا لينا الشفع في كل الأماكن بدقون بيضاء ورأس أصلع.
فبدل ما يتشاكلوا في لييه شلت لعبتي يتشاكلوا في معايش الناس البقت بين يديهم بسبب تنامي مسولياتهم الناتجة عن تخصصاتهم الدقيقة.
وحتى أساليب الدفاع عن سوء قرارتهم بتلقاه بشبه نفس أساليب الأطفال اللطيفة لكن مغلفة بغشاء رقيق للأسف ينطلي على الكثيرين
خلينا ناخد مثال هنا
استعمال التهذيب الكلامي كسلاح لسوء أفعالهم. مثلا مسؤول اتخذ قرار اقتصادي افقر الكثيرين وهو اما أنه لا يعي بآثار قراره مما يجعله جاهلا غير مناسب للمنصب أو واعي تماما وهنا المصيبة أعظم
الذي يحدث عادة أن الغالبية تسكت عن الرد لنفس السبب. هذا الطفل الكهل الجاهل في أحسن الأحوال والشرير في أسوئها يحمل مكانة كانت عادة تكون مشغولة بحكيم القوم الذي يتأدب الناس معه بصورة كانت مبررة في وقتها. المهم أن بعض الشباب الثائر ممن لا ترضى نفوسهم هذا النوع من الظلم عادة ما يعبرون بقوة زائدة يتم عكسها باستعمال ما يسمى بالألفاظ النابية. والألفاظ النابية ليست سوى تعبير عن الاحباط والعنف الزائد أكثر من اللفظ نفسه. نعم عادة ما تكون ألفاظ لها علاقة بالجنس وأحيانا كثيرة بالأم والأب أعز ما يملك الإنسان ولكن لا اعتقد أن هذا المقصد على أي حال. لا أحد يستطيع أن يلمس أمك أو أبوك بسوء بمجرد كلمة تقال لك.
المهم ينتبه الطفل الأشيب للعبة هنا ويتقن الهروب من سوء قراراته بكل سهولة عن طريق تحويل اهتمام الناس نحو هذا الشاب الصعلوك الذي لا يعرف الأدب ويبدأ القطيع في ذم الشاب الثائر وتضيع القضية. نعود للوراء قليلا لتشبيه الطفولة علنا نجد المقابل هناك
"دقاني وبكى وسبقني اشتكى"
كلنا لديه هذه القصة ربما لمن اخوك الصغير يعمل ليك مصيبة وبعدين يخاف منك بسبب قوتك الجسدية الأعلى منه فيمشي يشتكي لامه ويبكي انك اعتديت عليه. بس ياهو نفس السلوك الطفولي الكيوت في حالة الطفل الحقيقي بس هنا مغلف بالكثير من الأغشية السميكة ظاهريا والرقيقة الجوفاء عندما تسلط عليها القليل من الضوء.
ما العمل؟
ما تدوهم العايزنه وخلوكم صبورين. أصلو ما تقولوا الفاظ نابية افضحوا افعالهم بالمنطق وبلغة هادية ومباشرة وواضحة واتذكروا انكم عايزين المجتمع يقي شرهم مش عايزين تهدوهم هم بالضرورة لانهم مستفيد مباشر وفي احتمالية كبيرة انهم واعين بعملوا في شنو لكن عايزين يواصلوا. انتو غيورين على الناس المتضررين وبالتالي ابذلوا مجهودكم انكم توضحوا ليهم الضرر باقصى درجات الأدب وحفظ الانفعالات البتقدروا عليها وهو امر من الصعوبة بمكان لكن إنما العلم بالتعلم
" إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله، فإن المنبت لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى"
Wednesday, 19 March 2025
عامان من الأدشدة .. أبواب تكسرت وأبواب جديدة فتحت
مضى عامان منذ بدأت رحلة علاج الأدشدة وبدأت تظهر الآثار التراكمية طويلة المدى
الموضوع أشبه بكل أنواع الاعاقات التي تعطل جزئا جوهريا في حياتك القدرة على التركيز في حالتنا
تخيل معي شخص ضعيف النظر ولكنه نظره ليس بمستوى معطل للحياة حيث لا زال بامكانه الذهاب من مكان لآخر.. لا زال قادر على تناول الطعام والشراب وربما حتى قراءة بعض البوستات القصيرة على الفيسبوك والتواصل على الواتساب .. هناك احتمالية ليست قليلة أن هذا الشخص لا يعي بشلل قدراته مقارنة بمن حوله فالأعذار دوما جاهزة لما يستطيع الآخرون فعله ويعجز عنه هو - ربما هي موهبة ربانية - ويا للمفارقة هو هنا محق ومخطي معا - وربما الاخرين فقط يجتهدون أكثر منه ويقومون بممارسة تمارين شد العيون لرؤية التفاصيل الدقيقة وهي تمارين صعبة عليه - ايضا بسبب موهبة ربانية. هناك اختراع اسمه النظارة يمكن استعماله لتجاوز مشكلتك- نعم قد تحل النظارة المشكلة ولكن سأصبح مدمنا عليها وقد لا استطيع العيش بدونها. اممم يبدو أنك تتحدث كثيرا مع من يرتدون النظارات وترى معاناتهم مع إدمان النظر الواضح وعدم قدرتهم على تقبل العودة إلى عالمهم القديم ذو التفاصيل الضائعة.
عفوا على هذا المنعرج يبدو أنه تفريغ لنوع من الإحباط يحس به من يرى المشكلة بوضوح وحلها ولا يستطيع تحمل مقاومة المريض للعلاج لأسباب أتفه من التفاهة.
عندما بدأت العلاج كنت في قمة الفرح من أشياء قد تبدو عادية جدا للبعض ولكنها كانت باب من أبواب الجنة بالنسبة لي. القدرة على الجلوس على كرسي العمل والانغماس في تفاصيل الكود والعيش بداخله وكأنما يا دنيا ما فيك إلا أنا .. القدرة على انجاز واجبات البيت المملة من نظافة وغسيل وغيرها بلا تذمر .. وقراءة الكتب والنصوص الطويلة .. الاستمتاع بالمسلسلات والأفلام وكلها أنشطة ذات علاقة خاصة بالتركيز والانتباه فمن المنطقي ان علاج اعاقة التشتت الذهني أو الأدشدة كما سمتها صديقتنا يظهر أثره بوضوح على هذا الأمر.
ولكن هناك عالم جميل آخر يظهر بعد الإستمرار لفترة طويلة بسبب البناء التراكمي. قراءة كتاب ما في موضوع واحد مركز كنت تستعيض عنه سابقا بالكثير من المقالات والفيديوهات السطحية يحدث قفزة معنوية في مهاراتك في ذلك الجانب.. فجأة تلاحظ أن لديك قدرات أكبر من مستوى توقعاتك حتى.. تزيد قدراتك في ربط الخيوط المتقطعة وتحويل الأنماط من مكان لآخر .. حتى الأنشطة الترفيهية التي كنت تحبها تصبح أكثر جدية وأكثر متعة. قدرات التركيز هي قدرات عامة في كل المهارات .. القراءة والاستماع والنظر والحركة وحتى الكلام .. تصبح الأفكار واضحة في ذهنك مع الزمن لانك تقوم بتدويرها في رأسك لفترة كافية لتكوين الكثير من الروابط التي تساعدك على الفهم
تخيل شخصا كان يفكر بهذه الطريقة:
مصطفى سيد أحمد سمى الاغنية دي الحزن النبيل فكيف ممكن الحزن يكون نبيل واصلا كيف نطلق النبل على الحزن .. لكن لاحظ وردي لمن قرر يختار الحزن كجزء من اسم لاغنية اضاف ليهو القديم .. لكن وردي اصلا لما يغني بحب يعمل مقدمات طويلة لكن أصلا مقدمة موسيقية يعني شنو؟ لييه نحن بنقول مقدمة موسيقية وما بنقول مقدمة كلامية؟
أصبح يفكر بهذه الطريقة
مصطفى سيد أحمد سمى الاغنية الحزن النبيل ..و كلمات الاغنية فعلا هي انعكاس للعنوان والميلودي مكملة للكلمات في رسم اللوحة الكاملة .. ثم يبدأ بتتبع الاغنية بداية بالمقدمة وحتى الخاتمة وبطريقة مترابطة.
ان شخصا كهذا لو توقف في المنتصف يمكنه المواصلة غدا من حيث انتهى مقارنة بالأول الذي لا يعرف البداية من النهاية.. فقط أفكار بسيطة سطحية في كل المجالات. يستطيع الونسة في أي موضوع ولكن بعمق محدود جدا لنفس السبب. لدينا طاقة محدودة وزمن لاستثماره فيما نحب. يمكن أن تلعب في عشرة ميادين اللعبة رقم زيرو أو في ميدانين كل اللعبات مع الحفاظ على اللعبة رقم زيرو السهلة. هذا هو الاثر طول المدى الذي اتحدث عنه. القدرة على الغوص العميق نفسها تكسبك مهارة جديدة ومختلفة. هناك جمال في العمق لا تجده في ألف مجال. تخيل شخصا يجيد اللغة ويعرف كيف ينتج جملا لطيفة وبراقة ولكنه ليس له من الصبر ما يمكنه من صياغة نصوص طويلة مترابطة من نفس هذه الوحدات. مشكلتنا أننا نتوهم أن هذه القدرة تتوجب تلك وهذا توهم لا يزول إلا بعد أن تتعمق في شيئ واحد ومحدود لفترة طويلة مهما كانت مكوناته بسيطة. العمق يجبرك على التنازل عن الخطوات الصغيرة البراقة و يجبرك على تقبل خسران المعارك الصغيرة لتكسب الحرب فالمهم هو القصة. نحن لا نحب نزار وكاظم لأنهم استعملوا مفردة بديعة أو أتوا بجملة لحنية عجز عنها الأولون والآخرون. نحبهم لجمال القصص التي حبكوها وصارت جزءا من حياتنا وشعورنا أو صارت جزءا منا في حقيقة الأمر.
أتمنى أن تتاح لي الفرصة يوما ما لأتبحر أكثر في هذا الجانب ولكن يمكنكم اعتبار هذه دعوة لكن من يشك بأنه يعاني من هذه الإعاقة التي نجح البشر في ايجاد طريقة مثلى للتعامل معاها تصلح مع الغالبية أن يجرب ويترك الأعذار الجانبية التافهة على الجنب .. فقط قم باتخاذ الخطوة الأولى والباقي سيأتي تباعا
أو اترك الشكوى والأنين وتقبل اعاقتك فهو خيارك على كل حال